-A +A
مواجهة: فالح الذبياني

أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس هيئة السياحة والآثار في المملكة أن ما تتعرض له مدينة جدة التاريخية، من تدمير وحرائق بعضها متعمد، جريمة لن يغفرها التاريخ، مؤكدا أنه إذا لم تتحرك جهات الاختصاص وبقوة وفي اتجاه تصاعدي سنخسر هذه الكنوز وستضيع علينا فرصة تاريخية.

وتمسك رئيس هيئة السياحة والآثار، الذي يتولى حقيبة السياحة بأمر ملكي صدر في 1421 هـ، بموقفه أن مشروع ضم جدة التاريخية إلى قائمة التراث العالمي لم يرفض، بل سحب بإرادة محضة من أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، ومحافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد وهيئة السياحة.

وأقر الأمير سلطان بن سلمان بحدوث أخطاء في الفترة الماضية أدت إلى تراجع الاهتمام بجدة التاريخية، من بينها إقصاء الملاك وعدم إشراكهم في الرأي والمشورة ما جعل موقف البعض منهم سلبيا كون أملاكهم لم تستثمر ولم يعطوا حق الانتفاع بها، وتعهد أن تتم معالجة كل هذه الاختلالات والدفع مرة أخرى بملف جدة التاريخية إلى منظمة اليونسكو في صيف 2012.

وجزم أنه لا محسوبية ولا إقصاء ولا تقصير في الجهد الذي بذلته الهيئة من أجل الاعتراف بجدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي، ويأتي جزمه ردا على ما كتبه نقاد وصحافيون أن تسجيل الدرعية بذل فيه من الجهد الشيء الكثير بعكس ما بذل في شأن جدة التاريخية، وهنا يؤكد رئيس الهيئة بالقول «لم تقف مكتوفة الأيدي على الإطلاق، حتى تكون الصورة واضحة وردا على من يتهموننا بالتقصير وعدم إنصاف جدة أقول يجب أن تعرفوا أن الهيئة قدمت جدة التاريخية ضمن ثلاثة مشاريع للدولة لتسجيلها في التراث العالمي، وهذا يغلق الباب على المشككين»، على حد وصفه.

ونبه إلى أن جدة التاريخية تحتاج بشكل عاجل إلى ميزانية من الدولة لا تقل عن 500 مليون ريال، بعد أن التزمت شركة مطورة بالانتفاع من الواجهة البحرية مقابل تمويل مشاريع تطوير بـ 500 مليون ريال لصالح تطوير جدة التاريخية وإحيائها وتوفير بنية تحتية مناسبة لها، «غير أن المؤسف أن هذا المبلغ نقص بقدرة قادر إلى 150 مليون ريال لم يستلم منه حتى الآن ريال واحد».

في هذه الحلقة الأولى من حوار المواجهة نسلط الضوء على جدة التاريخية، وفي الحلقة الثانية سيجد القارئ ملفات الصيف الساخنة وما يثار ضد الهيئة من تقصير في توفير خدمات تلبي الحد الأدنى من احتياجات المواطنات والمواطنين، قضايا مفصلية، وأسئلة ساخنة وإجابات شفافة تجدونها في ثنايا هذه المواجهة .. فإلى التفاصيل:



• نبدأ سمو الأمير من حيث جدة التاريخية، حرائق، سيول، إهمال، وفئران تجتاح منازلها وأخيرا ينتهي بنا المآل إلى رفض منظمة التراث العالمي تسجيلها.. ما الذي يجري؟.

ــ أولا: منظمة التراث العالمي لم ترفض تسجيل جدة التاريخية ضمن قوائم التراث العالمي، الذي حدث أن الملف الذي قدم لم يكن جديرا باجتياز كل المعايير المطلوبة، الأسباب كثيرة لعل أبرزها ما طال جدة التاريخية من إهمال طوال 25 عاما، هذا الإهمال جميعنا شركاء فيه الهيئة ومؤسسات الدولة والمواطنون وحتى ملاك هذه العقارات، التي تحولت إلى أوكار وسكن لغير النظاميين، فطالتها الحرائق وأتت على كثير من كنوزها، ثم جاءت كارثة جدة وقضت على جزء آخر من جمال المكان وتراثه.

ثانيا: لم يكن هذا الأمر غائبا عن وعي الهيئة وإدراكها، حاولنا أن نبذل جهدنا، وعندما اكتشفنا أن في الأمر صعوبة تشاورت مع سيدي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة، وسمو محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد، حيث رأينا أن نسحب المشروع أفضل من رفضه، وهو ما تم بالفعل.

جهود الهيئة في تسجيل هذا المشروع ضمن قائمة التراث العالمي ليكون الثالث بعد الدرعية ومدائن صالح لن يتوقف مطلقا، سنحاول وأنا وعبر «عكاظ» أتعهد لأهالي جدة وجميع محبيها ولأبناء الوطن عموما أن نعيد طرح الملف مرة أخرى بعد استكمال كل الملاحظات التي وردت سلفا وتنبهنا لها حتى يجتاز التصويت ويصبح موافقا عليها.

التقصير بدأ قبل 25 عاما

• انتقادات عنيفة صاحبت رفض المشروع، أو سحبه كما تسميه، لماذا لا نستيقظ إلا بعد الكوارث دائما؟.

ـ موضوع جدة التاريخية بالنسبة لي لم يكن جديدا، أتذكر أنني قبل 25 سنة وعندما كنت رئيسا فخريا لجمعية علوم العمران، وكان هناك شبه حملة أو سمها إهمالا لجدة التاريخية، تم إقصاء جدة التاريخية واعتبارها قبل 25 عاما منتهية الصلاحية، وأذكر الآن للتاريخ ويشهد على ذلك الدكتور عبدالعزيز الخضيري الذي يعمل الآن وكيلا لإمارة منطقة مكة المكرمة، حيث تحدثت مع الأمير ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة يرحمه الله، حيث دعم مشروع الملك عبدالعزيز لحماية المنطقة التاريخية، بعد ذلك بذل الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز جهدا كبيرا، وفي إحدى الجلسات خاطب الحضور وكان من ضمنهم المهندس عادل فقيه، حيث أشار إليهم بضرورة الوعي بأهمية جدة التاريخية، وقال «لن نسمح بأن تضيع جدة التاريخية»، بعد ذلك أتى الأمير خالد الفيصل هذا القيادي المحنك ورجل الدولة البارز، حيث وضع الثقل في هذا الأمر.

نحن في الهيئة العامة للسياحة ننظر لموضوع جدة التاريخية على أنه موضوع محوري ومهم للغاية.

الدرعية ومدائن صالح

• ما الدليل على ذلك، جدة التاريخية تتآكل والهيئة لا تحرك ساكناَ كما يقول منتقدوها؟.

ــ هذا الأمر غير صحيح، الهيئة لم تقف مكتوفة الأيدي على الإطلاق، وحتى تكون الصورة واضحة وردا على من يتهموننا بالتقصير وعدم إنصاف جدة أقول يجب أن تعرفوا أن الهيئة قدمت جدة التاريخية ضمن ثلاثة مشاريع للدولة لتسجيلها في التراث العالمي، وهذا يغلق الباب على المشككين، معيارنا أولا جهوزية المكان والدليل أننا سجلنا مدائن صالح أولا ثم الدرعية التي هي عاصمة الدولة السعودية الثانية ثانيا، ثم جاهدنا من أجل تسجيل جدة التاريخية.

مليار ريال

• بوضوح تام، هناك من يتهم الهيئة بعدم بذل الجهد الكافي لتسجيل جدة التاريخية في منظمة التراث العالمي كما فعلتم مع الدرعية؟.

ــ هذا غير صحيح، الدرعية هي عاصمة الدولة السعودية الأولى، علاقتنا مع اليونسكو ولم نكن في حالة حرب من أجل الموافقة على المشروع كما قال البعض في كتاباتهم، الدرعية كان عليها ملاحظات في الصيف الماضي، وعملنا عليها حتى أن بعض مسؤولي الهيئة العامة لهم بعض الإيضاحات، وجاهدنا على مستويات عدة منها حماية الدرعية وتوفير مبالغ مالية للتطوير، ومن هذه القرارات صدور أمر ملكي بتشكيل جهاز يشرف على تطوير الدرعية برئاسة أمير منطقة الرياض وتضم جميع مؤسسات الدولة، الدرعية اعتمد لها مبالغ مالية تقدر بنحو 300 مليون دولار، أي ما يعادل مليار ريال تقريبا، لتطوير الدرعية ووادي حنيفة والمواقع المحيطة بها، ووجود هيئة تطوير الرياض التي هي مؤسسة منظمة وتعمل بشكل حضاري، وليس هناك تنافس بين المؤسسات أو تخلف بين الشركات على التطوير.

أؤكد ــ وبشكل قاطع وأنا مستعد تماما لإيضاح ذلك بالوثائق ــ أننا لم نقصر ولم ندخر جهدا في سبيل الدفع بالمشروع للاعتماد، بعض الكتاب قال إن المملكة ضغطت من أجل اعتماد الدرعية من خلال «السفر»، وهذا غير صحيح، صدقني أنني تفاجأت عندما كنت في باريس أتاني ممثل المملكة لدى اليونسكو عندما نقل لي الخبر، الدرعية حسم أمرها في جلسة تصويت واحدة، وأتذكر وهذا أقوله لأول مرة أن بعض المسؤولين طلب مني الحضور إلى اليونسكو يوم التصويت من أجل أن يكون لنا ثقل، غير أنني رفضت ذلك وقلت لا داعي، الدرعية ستعتمد والمعايير جميعها متوافرة، ومسار فني منظم، وكان التصويت إيجابيا والجميع صوت على المشروع باستثناء عضوين لم يصوتوا وكان تحفظا من الدرجة البسيطة غير المؤثرة.

لم نصمت

• لماذا صمتم، هل كنتم تتوقعون أن يمر ذلك دون ضجيج ورأي عام منتقد؟.

ــ لا نحن في الهيئة نحرص على التنظيم، كنا نود أولا إبلاغ أمير المنطقة ومحافظ جدة بالأمر حتى يظهر الأمر بالطريقة الصحيحة، كنت ولا زلت أقول إنني أحرقت الكلمات، الآن جاء دور العمل والمواطن يريد نتائج على الأرض، نتائج ملموسة واقعية، المواطن لا يريد أوهاما أو أحلاما أو رؤى، أنا كمواطن ومحب لجدة وعشت فيها وأمتلك منزلا بها قرعت الجرس وبصوت عال غير مرة.

الكاتب عابد خزندار يقول إنه حذر من وضع جدة التاريخية قبل عام 2008، وأنا أقول له إنني حذرت من وضع جدة التاريخية قبل 25 عاما، نحن هنا لا نزيد على بعضنا البعض مطلقا، قلت بالحرف الواحد «جدة التاريخية لا تهم أهلها، بل تهم جميع أبناء الوطن وأنا أغير عليها والمزايدة التي لاحظناها من بعض الكتاب غير منطقية ولا تستند إلى حقيقة».

يجب أن يعلم الجميع أن جدة التاريخية قضية وطنية صدرت من أعلى سلطة في البلاد أوامر بتسجيلها ضمن التراث العالمي، أنا تحدثت على الملأ.

أتعهد للجميع أن أبرز جميع المخاطبات وأعرضها عبر «عكاظ» للرأي العام ليعرف أهالي جدة وكل أبناء الوطن أن الهيئة العامة للسياحة والآثار لم تقصر ولم تدخر جهداَ على الإطلاق لا من حيث المحافظة على جدة التاريخية ولا من حيث تسجيلها في التراث العالمي، هذه المخاطبات التي تمت قبل 25 عاما.

يقول الأخ سامي نوار إن المخاطبات والمكاتبات احترقت والسيول أتلفتها، لكنني سأجدها وسأبحث عنها وأعلنها للملأ عبر «عكاظ»، أتألم وأنا أقرأ هذا السيل من الكتابات الانتقادية للهيئة وطريقة عملها، وأنا استنهض أهل جدة من أجل حماية جدة.

غياب الحماية

• باختصار شديد، ما هي أسبابكم الجوهرية وراء سحب المشروع؟.

ــ التأخر الكبير في تأهيل وتطوير الموقع وحمايته سواء من حيث أمانة جدة أو القطاع الخاص أو شركة جدة للتطوير أو من حيث غياب الاعتمادات المالية الغائبة، هذا هو السبب الرئيس وراء سحب المشروع.



• ولماذا قدمتم المشروع من الأساس طالما أنكم ستسحبونه؟.

ــ كنا نأمل أن يتم اعتماده ولكن بعد أن قرأنا الرؤية عن قرب تريثنا وقررنا السحب بملء إرادتنا، لم يرفض المشروع بل هو إرادة وطنية سعودية قررت سحب المشروع حتى لا يرفض.



• ولكن مندوب المملكة في اليونسكو هو من قال بأن المشروع رفض؟.

ــ لا أعرف كيف صدر منه هذا التصريح، المؤكد وأنا هنا في موقع المسؤولية أن المشروع لم يرفض ولم يطرح بعد للتصويت، قرأنا التوجه وقررنا السحب وهذا حق متاح لمن يرغب في تسجيل أي موقع ضمن قائمة التراث العالمي.

لجنة عليا للتطوير

• ما الجهد الذي ستبذلونه من أجل إنقاذ ما بقي من جدة التاريخية؟.

ــ شكلت لجنة عليا إشرافية برئاسة الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة، وقد كلفني بأن أكون نائبا لهذه اللجنة، أسست بلدية فرعية ولجنة لمتابعة المشروع واجتمعنا مرات عديدة مع جميع المسؤولين، جاءت الأمطار والحرائق التي بعضها قد يكون مفتعلا وأثرت على الموقع، وبدأ إخراج السكان غير النظاميين، هناك مشروع يبذل لتأهيل البنية التحتية لمشروع جدة التاريخية، لا يمكن ولا يعقل أن تخسر جدة المنطقة التاريخية.



• هل رأيت الخراب الذي طال مفاصل جدة التاريخية؟.

ــ زرت جدة التاريخية مع الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة، وزرت جدة مع الأخ سامي نوار، كما زرتها بمفردي في الليل وحزنت كثيرا لما آلت إليه جدة التاريخية، وتساءلت أين أهل جدة وهم رجال أوفياء كرماء أبناء وطن لديهم حس وطني وإنساني كبير من هذه المنازل ذات القيمة العالية، جدة التاريخية ليست مسؤولية الدولة وحدها.

اجتماع للملاك

• هناك من يتحدث من أهالي جدة بصوت عال أنهم لم يشركوا في صناعة قرار هذه المنطقة التاريخية؟.

ــ قد يكون هذا صحيحا، ومن ضمن الأخطاء أنه لم يعقد اجتماع لملاك هذه المنازل، وكبار الملاك، ولم يطلق صندوق لتطوير جدة التاريخية، نحن في هيئة السياحة لا نلطم كما قال الكاتب الكبير عبده خال ونعمل بشكل منظم.



• يرجع كثير من المختصين ما آل إليه وضع جدة إلى تنازع الصلاحيات بين أمانة المحافظة والهيئة وشركات التطوير المنفذة للمشروعات؟.

ــ هذه حلت بوجود اللجنة العليا لجدة التاريخية، نحتاج جهة متفرغة تعمل بشكل جيد تتولى تنفيذ مشروع جدة التاريخية، أي تأخير لتطوير جدة سيجعلنا نخسر ما بقي منها.



• إذا أنت متشائم؟.

ــ لست متشائما، المباني التي سقطت الأنظمة تنص على إعادة بنائها من قبل ملاكها، والدولة ستساهم والهيئة ستقدم دعما كبيرا فنيا وإشرافيا، وقبل ذلك هندسيا وتخطيطيا، كل شيء قابل للإصلاح المهم أن نتحرك، أمانة جدة غير معنية بإعادة المباني.

حدود مسؤوليتنا

• قبل أن نخرج من هذا المحور ما هي صلاحياتكم وحدود عملكم؟.

ــ أمانة محافظة جدة مسؤولة عن جدة التاريخية، نحن في الهيئة مسؤولون فقط عن تسجيلها في اليونسكو وبذل جهد تنسيقي كبير وتوحيد للجهود وتقديم الدعم، هذه حدود مسؤولياتنا، هناك بنك التسليف يقدم قروضا مالية، يجب أن أذكر بالخير أمين جدة الحالي، فهو مفكر ومثقف يرغب في انتشال واستعادة جدة التاريخية، الملاك لديهم فرصة لتطوير جدة التاريخية واستثمارها اقتصاديا، ونحن قدمنا لأمانة جدة حلولا وطريقة بناء مطبقة في كثير من البلدان، نأمل أن تستثمر من قبل أمانة جدة والملاك الراغبين في التطوير.



• معظم ملاك مباني جدة التاريخية من البيوت العريقة؛ الأثرياء القادرين على تأهيل هذه المباني، لماذا لم تشركوهم في الأمر؟

ــ ملاك جدة التاريخية لم يتم بعد احتضانهم، حتى وزارة الأوقاف والأربطة الخيرية، ولهذا كانت وقفة البعض منهم أقل من المأمول، لذلك لا بد من عقد اجتماع معهم ودعوتهم للدخول في شراكة مع الهيئة والأمانة لإنقاذ ما يمكن، هنا سأذكر معلومة وهي أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وجه بتأهيل مسجدي الشافعي والمعمار في وسط جدة، والملك -يحفظه الله- حريص على استعادة جدة التاريخية لحيويتها وحضورها، ولهذا فإن علينا كمسؤولين أن نحتفي جميعا بهذا الموقع ونستمتع به.



• قيادة عمرها 27 عاما تشرف على وسط جدة؟ لماذا لم يطالها التغيير؟

ــ ليس من صلاحياتي الحديث عن تغيير الإدارة المركزية، تسأل الجهة ذات العلاقة وأقصد بها الأمانة، ما يجب علينا فعله أن نعمل كمؤسسات وبشكل منظم لتنفيذ الخطط والبرامج بغض النظر عمن أتى أو من ذهب، جدة التاريخية جاءها من جار عليها، والخلل بدأ داخليا حيث تم إقصاء الملاك الذين يتسابقون للتطوير وعدم تمكينهم من استثمارها بالشكل المأمول طوال الفترة الماضية، وعدم وجود جهد لتحويلها إلى مورد اقتصادي يعود خيرا على اقتصاد الناس والبلد بشكل كبير.

اختفاء 350 مليوناً

• أسألك هنا عن آلية الاتفاق مع الشركة المطورة؟

ــ الاتفاق مع الشركة المطورة تم مع الأمانة، وكان من أبرز محاور الاتفاق أن تؤمن الشركة مبلغ 500 مليون ريال لتطوير جدة التاريخية وإحيائها وتوفير بنية تحتية مناسبة لها، مقابل ذلك تستثمر مساحة كبيرة تبدأ من الواجهة البحرية حتى تتكامل مع المنطقة، وكان هذا منطقيا، إذ لا يعقل أن تستثمر الواجهة البحرين وفي خلفها وسط جدة خرابة وأحياء هرمة تماما، المؤسف أن هذا المبلغ نقص بقدرة قادر إلى 150 مليون ريال لم يستلم منه حتى الآن ريالا واحدا.



• هل ساهمت في سن ضوابط للتطوير؟

ــ عملنا مع الأمانة على فرض دور للشركة المطور، كان رأينا واضحا جدا وبصوت عال أنه لا يمكن أن يمنح المطور ما مساحته 17 كيلومترا مربعا من الأراضي المتميزة المطلة على البحر ونترك أراضي ومباني خربة، صممنا ضوابط وشروطا لتطوير وسط جدة، وبالفعل أقرت كراسة الضوابط، لكن كيف خفض المبلغ من 500 مليون إلى 150 مليونا ولم يستلم حتى الآن لا أجد جوابا كافيا له.

لقاء الحسم

• لماذا لا تلتقون المطور وتبحثون معه أين ذهب المبلغ؟

ــ تحدثت في هذا الأمر مع أمين محافظة جدة قبل نحو أسبوعين، وأتوقع أن يتم اللقاء قريبا، وقد طلبت اللجنة العليا لتطوير جدة التاريخية من أمانة جدة استيضاح الموقف النهائي والأخير للمطور، ماذا تم وماذا ينوي فعله تجاه تراث وتاريخ جدة.



• كما هو احتياج جدة التاريخية من المبالغ الآن وبشكل عاجل؟

ــ جدة التاريخية تحتاج ميزانية عاجلة لا تقل عن 500 مليون ريال لإنعاش البنية التحتية، ومشروع الإنقاذ المتكامل وتفعيل منظومة التسليف، وإيجاد صندوق تكافلي من الملاك وهذا ما سأتحدث فيه معهم قريبا لإيجاد صندوق، وسأتحدث مع صالح كامل ورجال أعمال آخرين وأتوقع منهم التفاعل، جدة التاريخية منجم ذهب إذ تم المحافظة عليها، وهي الآن محمية بالنظام، وستكون قيمة مضافة للقطاع الخاص، وعامل جذب.

2012 موعدنا

• قبل أن أطوي معكم موضوع جدة التاريخية، متى سيقدم الملف لليونسكو؟

ــ أتعهد لأهالي جدة مرة أخرى أن يقدم المشروع مرة أخرى صيف 2012، لدينا ضمان من الدولة أن تسجل كموقع تراث عالمي وتسجيلها.



• سيقدم الملف وحال المنطقة رثة كما هو الآن، أما ستنجز المشاريع في غضون عام ونصف العام؟

ــ هناك خطوات حاسمة اتخذت في هذا الشأن، منها أن الهيئة طلبت من اللجنة العليا لتطوير جدة التاريخية إخراج السكان غير الشرعيين من هذه المباني؛ تمهيدا لبنائها وتطويرها، كما طلبنا تطهير المباني من المخازن والمستودعات العشوائية التي تقف وراء كثير من الحرائق، إيقاف الكهرباء والتمديدات العشوائية من أجل الحفاظ على جدة التاريخية.

أين ذهب هؤلاء

• هل أنت متفائل بإنجاز مشروع التطوير فيما بقي من الزمن؟

ــ نعم أنا متفائل؛ لأن جدة التاريخية لها دور كبير، ولها دور في تعزيز اللحمة الوطنية وانطلاقة هذه الدولة المباركة، فمؤسس هذه البلاد المباركة التقى أهالي جدة في أول لقاء له في جدة التاريخية، وجدة التاريخية هي منجم ذهب يجب المحافظة عليه بشكل كبير والعناية به، أتمنى من الكتاب الذين انبروا لانتقاد الهيئة ألا يتوقفوا عن الكتابة والتذكير بموضوع جدة التاريخية حتى يعززوا جهودنا ويدعموا هذا المشروع حتى يرى النور.

لم أسمع من بعض الكتاب -وقد أكون مخطئا- في السابق، أي تحذير من خطر جدة التاريخية وما تتعرض له، ولم يكتبوا في موضوع الحرائق، لم يكتبوا حتى تأييدا، وعندما سحب المشروع وقيل إنه رفض انبروا للكتابة وبحدة، بقي أن أقول إن ما يحدث لجدة التاريخية جريمة، وإذا لم نتحرك وبقوة وفي اتجاه تصاعدي سنخسر هذه الكنوز وستضيع علينا فرصة تاريخية.

أنا ألوم «عكـاظ» وهي صحيفة عريقة وقوية وأقرأها من صفحتها الأولى حتى الأخيرة وأجد فيها من الرصانة والتوازن والطرح الموضوعي الكثير، أقول ألومها كونها لم تعد للهيئة عندما وقع في يدها خبر رفض المشروع، فلو استمع لرأينا لكان النشر أكثر دقة أي أن المشروع سحب، في كلا الحالات المحصلة واحدة جدة التاريخية تعرضت لإهمال ونتمنى أن يتم تلافي ذلك مستقبلا.

رسوم لحماية الآثار

• بعد هذا الحديث المستفيض عن جدة التاريخية، دعني أسألك هنا عما يتعرض له التراث من تخريب واعتداء؟

ــ التراث العمراني في المملكة تعرض لكثير من التجاوزات في التعامل معه، خصوصا في ما يتعلق بالآثار الإسلامية في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، والهيئة سعت لاستصدار قرار سام صدر عام 1430هـ يمنع التعديل على أي موقع من مواقع التراث الإسلامي وحصرها، كما أن الهيئة تعمل حاليا على عديد من مشاريع التنقيب الأثري ومشاريع المحافظة على المواقع الأثرية والتراثية وترميمها وذلك حسب الميزانية المتاحة لها، إلا أن المملكة بمساحتها الشاسعة المترامية الأطراف وما تزخر به من كثير من المواقع الأثرية يجعل مهمة الهيئة صعبة وتتطلب وقتا أطول.



• وكيف تتعاملون مع قضايا الآثار الإسلامية، في مكة والمدينة تعدٍ كثير على هذه المعالم؟

ــ هيئة السياحة تتعامل مع قضايا الآثار الإسلامية وفق منظور شرعي، بما ينسجم وتعاليم الشريعة الإسلامية التي تقوم عليها هذه البلاد، وتحرص قيادة المملكة وتوجه بها، ويحقق في ذات الوقت الحماية لهذه الآثار، ونحن في ذات الوقت نسترشد بالعلماء وبما يسهم في تلافي أي تجاوزات.

يجب أن يدرك الجميع أن الاهتمام بالتراث العمراني هو جزء من الاهتمام بالبعد الحضاري الكبير للمملكة الذي يشمل جوانب التراث العمراني في أحد جوانبه المرئية والملموسة، ووجود التجربة المعاشة لمواقع التراث العمراني هي أبلغ وأفضل طريقة لإيصال وربط المواطن، خاصة الأجيال الشابة بتراث الوطن، نريد أن نخرج الآثار من حفرة الآثار، ولا أقصد إخراجها وعرضها في المتاحف إنما ربطها بالمواطن ويكون هو الحارس الأول لها، والبعد عن وضع التسوير والحراسات على مواقع الآثار، بل لا بد أن يكون المواطن واعيا بالآثار الوطنية يستطيع أن يعيش تجربة واقعية معاشة في المواقع التراثية.

منعطف خطير

• ما أبرز المشاريع التي تعملون عليها؟

ــ هيئة السياحة تعمل الآن على برنامج وطني كبير يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبمساندة سمو ولي العهد؛ يتمثل في إبراز البعد الحضاري للمملكة، وأنا وعبر «عكـاظ» أدعو المواطنين إلى التفاعل مع الآثار ومعايشتهم لها وارتباطهم بها، وألا تكون حصرا على المختصين والمهتمين، يجب أن يستمر عملنا كمهتمين بالآثار وبنفس الوتيرة السابقة التي كنا نسير عليها وهي وتيرة أن هذا تخصص، وأن قضية الآثار تمر بمنعطف خطر جدا مع انتشار الناس في المواقع وتحركهم وتنقلهم، ومع انتشار المعلومات عن الآثار عن طريق الإنترنت ومصادر المعلومات المهولة والمفتوحة، لا بد من الوعي بقيمة الآثار وأنها كنز يجب المحافظة عليه واستثماره.



• لا يزال البعض لا يولي الآثار أهمية كبرى، ولا حتى صغرى، نجد آثارا مهملة، كيف ستعملون من أجل تصحيح هذه الصورة؟

ــ ازدراء مواقع التراث العمراني في الوطن هو خطأ وجريمة في حق الوطن، الذي يجب أن تتم العناية بهذه المواقع حتى تكون مصدر فخر واعتزاز، وستنطلق قريبا حملة كبيرة في المدارس بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لإحداث نقلة نوعية في ما يتعلق بإبراز البعد الحضاري للمملكة وهو البعد الرابع المغيب عن تاريخ المملكة.

نحن في الهيئة ننظر إلى الآثار الوطنية على أنها جزء من المكون التاريخي للبلاد ومكون الشخصية والهوية الوطنية، وننظر أيضا إلى جانب مهم وهو الإسلام الدين العظيم، وحين نزل في مكة المكرمة التي كانت منطلق القوافل فكأنما نزل في موقع يشبه الإنترنت اليوم من خلال تنطلاق رسالة الإسلام عبر القوافل وعبر الكلمة، ونحن اليوم نثبت عظمة هذا الدين؛ لأننا نظهر هذه الحضارات المتعاقبة التي نزل الإسلام في أرضها.



• كيف ستحافظون على مباني ومواقع التراث العمراني بعد انتقالها لكم من وزارة التربية قبل نحو ثلاثة أعوام؟

ــ مباني التراث العمراني هي آبار نفط كامنة متى ما استثمرت كفنادق تراثية ومتاحف، بلادنا كما يعلم الجميع غنية بهذه الكنوز في أرجائها.